الخميس، 1 يناير 2015

في حَضرة المَجلِس



                        في حَضرة المَجلِس

دولة أوغندا والمعروف عنها إنها إحدى ثلاث دول أفريقية تطل على بحيرة  " فكتوريا " مع كينيا ودولة تنزانيا الحديثة والتى تكونت نتيجة لإتحاد دولة تنجانيقيا وزنجبار في عام 1964 في كيان دولة تنزانيا الحالية وأصبحت عاصمتها مدينة دار السلام , ومن المعروف أيضاً أن السلطان العُمانى / سعيد بن سلطان وفى عام 1828 م كان قد إتخذ فى زنجبار عاصمة له ليحكم منها سلطنة عُمان والتى كانت تتكون من جزء كبير من ساحل شرق أفريقيا وسلطنة عُمان الحالية وقد تعاظمت هجرة العُمانيون إلى زنجبار للإلتحاق بسلطانهم بعد إزدهارها في ظل حُكم السلطان / سعيد بن سلطان وكان هو أول من أدخل فيها صناعة القوارب الحديثة وزراعة البهارات و القُرنفل والذى اشتهرت به على مستوى العالم واصبح ركيزة إقتصادها ويشهد له التاريخ إنه قد بذل الكثير من الجهد والحِكمة في إدارة و تنمية تلك الجزيرة وكان يحب البحار وقد قضى أيامه الاخيرة على متن الباخرة البريطانية فيكتوريا .

      في بداية يناير2008 م كنت في زيارة إلى دولة أوغندا وحيث إننى لم أستطع مقابلة أى من المسؤولين عن موضوع سبب زيارتى ودعوتى إلى أوغندا بسبب إجازات أعياد الكريسماس والسنة الميلادية الجديدة فقد قضيت بعض من تلك الايام في التجول والتعرف على العاصمة كمبالا مع أحد الاصدقاء الاعزاء ويُدعى فرانسيس كاريتوا وهو شاب ذو خُلق وإطلاع جيد بالتاريخ والاحداث المستجدة في محيطه  ويختار بعناية ملحوظة الاماكن التى يريد للسياح وضيوف بلده زيارتها والتعرف عليها وخاصة المساجد اذا كان ضيفه مسلما , ولازلت أذكر بأن أكثر الاماكن التى كانت تقضى فيه العائلات إجازاتهم هى أطراف بحيرة  " فكتوريا " والتى ينطلق منها نهر النيل الابيض حتى يلتقى في الخرطوم بنهر النيل الازرق القادم من بحيرة تانا في اثيوبيا في واحدة من أروع المناظر التى وهبتها الطبيعة وهو مقرن النيلين في الخرطوم والذى إقترن إسمه بالعديد من المهرجانات والفعاليات العربية وتحديداً الثقافية منها مثل مهرجان مُلتقى النيلين للشِعر العربى والذى يستضيف سنوياً كوكبة من كبار الشعراء العرب .

      الملاحظ انه توجد بعض الجاليات العربية التى تقيم في أوغندا والتى كثيراً ما تقضى اجازاتها أيضاً مع بعض العائلات الأوروبية على أطراف بحيرة " فكتوريا " و التى هى أكبر بحيرة في أفريقيا وأكبر بحيرة إستوائية في العالم وأهم هذه الجاليات وأكثرها كما وجدته في ذلك الوقت هى الجالية اللبنانية والتى تمارس التجارة وإدارة بعض الشركات التى تقوم بتنفيذ المشاريع هناك مثل شركة  ( ميدل إيست كابيتال غروب اللبنانية ) والتى كانت قد فازت بعطاء  كونسورتيوم مع 5 شركات أخرى  بقيمة 500 مليون دولار لاقامة سد ( بوغا غالى ) لتوليد 250 ميغاوات من الكهرباء على النيل بالقرب من مدينة جينجا , وللجالية اللبنانية أيضا مراكز ثقافية ودينية مثل مكتب الجامعة اللبنانية الثقافى والذى أفتتح عام 2005 وكذلك مركز لرعاية أمور الجالية اللبنانية يديره السيد / حسين عوالى بصفته إماماً للجالية اللبنانية هناك في ذلك الوقت وكذلك هناك تواجد كثيف للجالية الهندية التى تعمل فى المحلات التجارية والصرافات ووكالات السفريات وتجارة الذهب .

    كان مُضيفى وصديقى / فرانسيس كاريتوا دائماً فخور ببلده رغم تواضعها ويحكى عن إيجابياتها مثل إنهم لايستعملون الاكياس البلاستكية في المحلات التجارية وإنما الورقية  حفاظاً على البيئة وكثيراً ما كان يحكى لى عن ( عملية عنتتبى ) والتى مازالت أثارها وبقاياها محفوظة في مطار عنتتبى بالقرب من العاصمة كمبالا لكى يشاهدها الزوار وهذه العملية حدثت عام 1976عندما قامت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين والالمانيين باختطاف طائرة تابعة للخطوط الفرنسية وعلى متنها 248 من الركاب والكثير منهم يهود والتوجه بها الى أوغندا في دلالة رمزية إلى أن أوغندا هى الدولة التى كان على اليهود الاستيطان فيها وإنشاء دولة إسرائيل هناك , فقد كان / تشمبرلين  وهو وزير المستعمرات البريطانية قد حث  / هرتزل وهو أحد قادة الصهاينة على الاستيطان في أوغندا وأبدى استعداد بلاده للمساهمة في النفقات ولكن المؤتمر الصهيونى السادس الذى عُقد في بازل عام 1903 رفض الفكرة واختاروا فلسطين لاسباب دينية وعقائدية , وعندما طلبت إسرائيل تدخل أوغندا بتحرير الرهائن رفض الرئيس الأوغندى / عيدى أمين ذلك , فقد كان مناصراً للشعوب العربية وحقوق الشعب الفلسطينى على أساس أن دولته كانت مرشحة لتوطين اليهود وإعلان الدولة اليهودية فيها ونتيجة لهذا الرفض فقد أرسلت إسرائيل قوات كوماندوس لمسافة قاربت ال4000 كلم واستطاعوا دخول أوغندا عنوة وتحرير الرهائن والبالغ عددهم حوالى 103 رهينة في خلال 90 دقيقة فقط  مما حدا بالقادة والخبراء العسكريين ومن وجهة نظر عسكرية بحتة لأن يعتبروها أنجح عملية عسكرية لتحرير رهائن في التاريخ وتم تسميتها (عملية عنتتبى 90 دقيقة) أو (عملية جوناثان ) على إسم الكولونيل / جوناثان نتنياهو والذى لقى حتفه في تلك العملية وهو الشقيق الاكبر لرئيس الوزراء الاسرائيلى الحالى / بنيامين نتنياهو ولم أكن أتخيل نفسى يوماً واقفاً وسط حطام المعدات العسكرية وبقايا الذخيرة مع الكثير من السياح والمهتمين الاجانب وهم يلتقطون الصور لتوثيق حقيقة ذلك الحدث والذى أصبح مادة يدرسها ذوى الرُتب العُليا من القادة العسكريين .

     وقد عرفت بأن صديقى / فرانسيس كاريتوا ليس له أى علاقة أو إهتمام بالسياسة والحروب وإنما كان يريد أن يقترن إسم بلاده بكل ماهو عظيم في نظره وأن العرب والمسلمين عموماً يعيشون بسلام في بلاده والشعب الأوغندى يتفق مع غيره من الشعوب بأن المهمة الاولى للجيوش هى حماية البلاد و الإعتداء على من إعتدى عليهم وليس الإغارة على الاخرين دون سبب , وكان كثيراُ أيضاُ ما يسألنى عن صِحة مايقرأه ويشاهده من أنباء  عن أن مدينة دُبى قد تخطت مرحلة مقارنتها بالمدن العربية ودول العالم الثالث من نواحى العمران والتكنلوجيا والتجارة والصناعة والنمو الاقتصادى والمهرجانات وأصبحت في مصاف المُدن العالمية الاُولى وبرغم تأكيدى له على ذلك وعلى قدر ما أعرف إلا إننى سأجد صعوبة في أن أشرح له اليوم أين وصلت مدينة دُبى وكيف تعمل الحكومة الذكية وتطبيقاتها إنطلاقاً من تلك المدينة .

     بما أن أوغندا قد سعت لاستضافة الحركات الدارفورية من أجل توحيدها تمهيداً لاتفاقية سلام في فترة من الفترات كما فعلت نجيريا , إلا أن أوغندا لم توفق نتيجة للتكلفة الباهظة لتبنى مثل تلك المنابروعدم رغبة بعض الحركات المجئ إلى أوغندا وقد ظل يتواصل و يتابع معى مفاوضات سلام دارفور والتى كانت قد إنطلقت في العاصمة القطرية الدوحة فيما بعد , وأصحاب القرار في دولة قطر بذلوا  الكثير من الجهد والصبر من أجل انجاح منبر الدوحة لسلام دارفور ووقف الحرب وتوقيع الاطراف المتحاربة على وثيقة إتفاقية سلام دارفور باشراف ومتابعة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقى وهذا لم يكن بغريب عليهم ولا على كل قادة مجلس التعاون الخليجى ولا على سيرة وشجاعة أسلافهم , فقد كانت فنادق وقاعات مؤتمرات الدوحة هى الرياض التى يستظل فيها كل الفرقاء والمتحاربين في الشرق الاوسط لحل مشاكلهم , بل أن قادة قطر مدوا يد العون للكثير من الشعوب الاُخرى واستضافوا الكثير من المؤتمرات من أجل ذلك وأذكر منها مؤتمر حوار الاديان , وبما إننى قد زرت دولة قطر أكثر من مرة عبر دعوة من السيدة / مُنى بلانشين والتى كانت مسؤولة في بعثة الامم المتحدة وذلك لحضور مفاوضات سلام دارفور في قطر فقد كنت شاهداً على المجهود الجبار الذى تم بذله من أجل السلام , لأن موضوع دارفور لم يعد يتعلق بالدول المنضوية تحت لواء جامعة الدول العربية فقط وإنما أصبح يؤرق ضمير المجتمع الدولى بأكمله وقد إتضح لى ذلك من خلال تواجد القادمين من الولايات المتحدة الامريكية وفى مقدمتهم السيد / سكوت غرايشون ومبعوثين من كندا وأوروبا واستراليا ومنظمات المجتمع المدنى والإدارات الاهلية للمشاركة في تلك المفاوضات , فخلال تواجدى في نقاش لبعض الحضور مع السيد / غصن الله وهو مبعوث حكومة ليبيا لمفاوضات دارفور , إتضح لى أن له معرفة ومتابعة غير عادية لمراحل أزمة دافور وكذلك إحدى السيدات الاوروبيات والتى أظهرت ومن خلال حديثها إلماماً تاماً بتاريخ ومكونات تلك الشعوب منذ أن كانت دارفور سلطنة منفصلة لحالها وكان ذلك خير برهان بأن العالم يتابع ويتضامن مع مايحدث ولن يتخلى الانسان عن أخيه الانسان من ضحايا تلك النزاعات من أطفال وأيتام وأرامل بمن فيهم من لاجئين ونازحين , وقد كُللت الجهود القطرية بتوقيع الاطراف المعنية لاتفاقية سلام دارفور وتم بموجبها تولى الدكتور/ التجانى سيسى اتيم حاكماً لإقليم دارفور مع مراعاة والاخذ بانه كان مسؤولاً سابقاً في منظمة الامم المتحدة وله علاقات جيدة بالمنظمات الدولية وكذلك بريطانيا والتى درس فيها وهى الامبراطورية التى لاتغيب عنها الشمس , وبرغم أن بعض الحركات والفصائل قد أبدت تحفظها في الانضمام الى الاتفاقية الا ان  منظمة الامم المتحدة قد باركتها وقامت بتضمينها في وثائقها وسجلاتها ولم ترفض للمعارضين من الالتحاق بالوثيقة على أن يتم التحاور عن أسباب  رفضهم من خلال تفسير محتوى الوثيقة .

     إن تلك البادرة الكريمة من المسؤولين في دولة قطر هى نهج ومبدأ كل قادة مجلس التعاون الخليجى والذين إمتدت أفضالهم للمحتاجين في العديد من دول العالم  و شملت حتى دول أوروبية مثل الدول التى نشأت على أعقاب إنهيار يوغسلافيا , وقاموا أيضاً بالتوفيق والمصالحة بين الكثير من الدول المتحاربة حول العالم ووقفت شعوبهم معهم وإقتطعت من قوتها من أجل المحرومين والمحتاجين , بل أن الكثير من الدول الاسلامية وكذلك الدول العربية  قد إعتمدت في مشاريعها التنموية وحتى بنيتها التحتية للوصول للنهضة التى هى عليها الان على الدعم  الذى قدمه لها قادة مجلس التعاون الخليجى بأشكاله المادية والعينية دون منٌ أو فضل والصناديق الإنمائية والمحافظ الإستثمارية والمالية تزخر بمثل هذه السجلات والتى حين  تراجعها أجيالهم القادمة فستعرف حتماُ أن القائد العظيم قد صنع قادة عظماء .



                              جَمال حسن أحمد حامد