الخميس، 30 مايو 2019

ما بين التَدَخُل والمَصَالِح

      ما بين التَدَخُل والمَصَالِح                    

فى العقود الأخيرة من القرن الحالى حدث الكثيرمن التغيير فى مفهوم العلاقات بين الدول والتى كانت تحكمها مواثيق غير قابلة للمساس مثل مفهوم السيادة وعدم التدخل فى شؤون الدول الأخرى والإحتكام إلى قرارات منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها لفض النزاعات والخلافات ولكن مع تمدد المصالح العابرة للحدود فقد تكونت الكثير من التحالفات والإتحادات والعلاقات الثنائية ذات المصلحة المُشتركة لجميع الأطراف بمساهمة كل طرف بما يملكه ويفتقر إليه الطرف الاَخر , بل أصبحت الكثير من الدول تسعى إلى العمل على الإستقرار السياسى فى دول أخرى وذلك تمهيداً للدخول فى إستثمارات ومشاريع تنموية ذات نفع للجميع                 
القارة الأفريقية تُعتبر من أغنى القارات بالثروات الخام بجميع مسمياتها وأشكالها مما جعل منها مركز إهتمام وجذب لكُبريات الشركات الأوروبية وكذلك جمهورية الصين التى عززت وجودها القوى فى أفريقيا رغبة منها فى الإستفادة من تلك الثروات , وقد كانت دولة الإمارات من أوائل دول الشرق الأوسط التى إنتبهت لذلك وبما يخدم مصالحها ومصالح القارة الأفريقية , ففى السنوات الماضية كانت أبوظبى وجهة لزيارة الكثير من القادة الأفارقة لتعزيز اَفاق التعاون فى مثل تلك المجالات وقد كان من أهم ما تم فى أبوظبى تجاه القارة الأفريقية هو عقد المصالحة بين أثيوبيا وإريتريا وإنهاء سنوات من النزاعات والحروب بينهما حتى يتم توجيه جهودهما لما فيه الفائدة للبلدين ولمن يرغب فى الإستثمار هناك , ومن المعلوم أيضاً أن دُبى قامت بتأهيل الكثير من الموانئ فى أفريقيا ومازالت تديرها بما لديها من خبرات وإمكانيات فى ذلك المجال ويبلغ حجم التبادل التجارى غير النفطى بين دولة الإمارات وأفريقيا حوالى 38,3 مليار دولار وفى دراسة أعدتها اللجنة الإقتصادية لأفريقيا فى منظمة الأمم المتحدة إتضح أن دولة الإمارات هى ثانى أكبر مُستثمِر فى القارة من منطقة الشرق الأوسط بحوالى 11 مليار دولار كما أن الموقع الإستراتيجى لدولة الإمارات لعب دوراً مهماً لعبور الواردات التجارية القادمة لأفريقيا جنوب الصحراء من اليابان والصين , كما نجد أن دولة مثل السودان أصبحت من أكثر الدول التى تُحظى بإهتمام المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من خلال حرصهما على الإستقرار فى السودان لما يمتلكون هناك من إستثمارات وخطط مستقبلية للإسهام فى المزيد منها بما يعود بالفائدة لهم جميعاً , كما يُعرف أيضاً بأن لدى السودان كذلك الكثير من الأموال فى شكل شركات ومؤسسات وعقارات خارج السودان تم تقديرها فى الفترة الماضية بواسطة خبراء سودانيين وصندوق النقد الدولى بانها تصل إلى 50 مليار دولار وهى بالتأكيد تتطلب من السودان بأن يكون حريصاً على إستقرار تلك الدول و التأكد من مرونة و وضوح تشريعاتها وقوانينها التى تحمى وتراعى إستثمارات مواطنيه وإستثماراته كدولة

السبت، 18 مايو 2019

لامُسْتَحِيل فِى تَنْفِيذ إرَادَةِ الشُعُوب

                                                     
                 لامُسْتَحِيل فِى تَنْفِيذ إرَادَةِ الشُعُوب 
          
فى كل يوم تقريباً يعج العالَم بالكثير من الأحداث التى تشد الإنتباه وتستوجب الوقوف عندها لأخذ العبرة منها والتأمل فى أسبابها وماَلاتها وذلك لمقدرتها على التأثير فى مجريات الأحداث فى الكثير من بقاع العالَم الأخرى , وخلال الأشهُر الماضية كان مشهد الثورة التى إجتاحت السودان هو محط أنظار المجتمع الدولى بأسره وخاصة الدول الصديقة التى لها مصالح مُشتركة مع السودان ويهمها ما تتمخط عنه تلك الثورة التى إستمدت مشروعيتها من عدالة المطالب والأسباب التى قامت عليها وفقاً للمواثيق والقوانين الدولية التى تبيح لأولئك الشباب ما قاموا به ويمكن تلخيص أهم مُسببات تلك الثورة فى الاتى :- 
 - التردى الإقتصادى والمعيشى الذى طال الغالبية العُظمى من الشعب السودانى وتدنِى الخدمات إلى مستويات فاقت التصور فى مُعظم أرجاء البلاد وشملت فى أحايين كثيرة بعض المرافق الحيوية والخدمات التى تمس حياة الناس حتى وصلت الأوضاع إلى مفهوم بأن هنالك منهجية وإستهداف للشعب السودانى للوصول به لتلك المرحلة                    
- إستئثار طبقة محددة من الناس بثروات البلاد بطريقة غير مشروعة فى أغلبها وتهريب الأموال الطائلة إلى خارج السودان وإستثمارها فى دول أخرى عبر مشاريع و واجهات متعددة ولايعود ريعها للسودان بينما أغلبية الشعب السودانى يقبع تحت خط الفقر ويعانى البطالة رغم أن السودان يُعد واحداً من أكثر الدول ذات الإمكانيات والبيئة التى تتلائم مع شتى مجالات الإستثمار                                                       
- تم التدمير الكامل لأهم المشاريع والمَرافق فى البلاد مثل مشروع الجزيرة الذى يُعد المشروع الأهم والأكبر فى كل أفريقيا والوطن العربى بأكمله وكذلك الخطوط الجوية السودانية ,السكة حديد ,النقل النهرى والكثير من المصانع المعروفة بأنها كانت من دعائم و ركائز الإقتصاد السودانى 
 - إنتشار وإستفحال الظُلم الذى أشعل الحُروب  بين أبناء الوطن الواحد ونتج عن ذلك إنفصال جنوب السودان وإستمرار الحُروب فى الكثير من أنحاء السودان مما شكّل إستنزافاً هائلاً للميزانية التى كان من الممكن أن تُخصص لأغراض أخرى تساهم فى النهضة                               
- سوء توزيع فى الخارطة الإستثمارية و إدارة الإستثمار فى السودان , حيث تم بيع الكثير من الأراضى والمشاريع للمستثمرين الأجانب بطريقة لم تعد بأى فائدة تُذكر للسودان وإنما ذهبت جل الفائدة لمصلحة المستثمر الأجنبى وبعض الشخصيات التى سعت إلى تحقيق مصالح  شخصية لها وللمؤسسات المتعاونة معهم                                                 
- إستمرعدم وجود عدالة فى توزيع التنمية والتعمير على الأقاليم أو الولايات وعدم مراعاة التعداد السكانى ومساهمة كل منطقة فى الإقتصاد الكلى للسودان بمنتوجاتها ,مما نتج عنه الإحساس بالغُبن والتهميش وكان ذلك من أهم أسباب إندلاع ثورات الهامش التى أدت إلى وقوع جزء كبيرمن غرب السودان تحت الوصاية الدولية التى تتمثل فى القوات الأممية وقوات اليوناميد وكذلك تسبب فى هجرة جزء كبير من سكان الأقاليم والأرياف المهمشة للعاصمة الخرطوم  
   - أرهق المسؤولون كاهل الشعب السودانى بسن القوانين والقرارات التى تفرض الضرائب والرسوم وزيادة الأسعار بطريقة غير مبررة ودون أن يوفروا لهم الوظائف والأجور المناسبة , حيث أن معدلات البطالة و الفقر قد وصلت مرحلة غير مسبوقة وأصبحت تهدد النسيج الإجتماعى المُرتكز على الكثير من القِيم الحميدة والأخلاقيات التى يشتهر بها الشعب السودانى       
  - تواَصَل الكبت لأبسط الحريات الإنسانية والشخصية و وصل الحال إلى جلد وضرب الفتيات فى الشوارع وكذلك فرض الوصاية والرقابة على الإعلام بكل أنواعه وبطريقة فيها الكثيرمن الغلو والتشدد حتى لايمارس الإعلام النزيه دوره الأساسى فى تمليك الحقائق للناس ونشر الوعى       
هيمنة طائفة من المتعصبين والمتشددين الإسلاميين على شؤون ومفاصل الدولة والدخول فى عداوات مع الكثير من الدول وشن الحرب على مواطنى جنوب السودان بإسم الجِهاد مما أدى لإنفصال الجنوب رغم أن الإسلام هو دين الوسطية والتسامح , وقد تسبب ذلك فى وضع دولة جمهورية السودان على لائحة الدول الراعية للإرهاب ومازال كذلك الشعب السودانى يرزخ تحت نير المقاطعة الإقتصادية بسبب ذلك مما ذاد المعاناة على كاهل الملايين من السودانيين بسبب قِلة من المسؤولين الرسميين المتطرفين قاموا بإستغلال مناصبهم وموارد الدولة لشن عمليات إرهابية خارج حدود السودان من أجل فرض أيدولوجيا الجهاد ولذلك يتطلب الأمر من النظام الجديد فى السودان التعاون مع المجتمع الدولى والتخلص من الفكر الإقصائى والجهادى وأن يتم السعى  إلى  تحقيق مطالب الشعب السودانى 
  - لم يكن هناك وجود لخطط وإستراتجيات واضحة للتنمية الشاملة والمشاريع يتم الإلتزام بها وتكون ذات مردود فعلى ينعكس على حياة الناس ويسهم فى نهضة البلد , حيث أن عوامل إستشراء الفساد والتعدى على المال العام والإستغلال السئ لموارد الدولة أدت إلى ذلك            
     المفارقة الغريبة هى أن الأسباب التى أدت إلى إندلاع تلك الثورة الغير مسبوقة يقابلها أن السودان يتمتع بالموارد والإمكانيات والثروات التى من المفترض أن تضعه فى مقدمة الدول التى تتمتع بالرخاء والإستقرار إذا كان قد توفرت الإدارة الحكيمة والقيادة الرشيدة لمصالحه , فالخارطة المائية للسودان توضح وجود ثروة مائية هائلة تتمثل فى النيل برافديه الرئيسيين وهما النيل الأبيض والنيل الأزرق إضافة إلى روافد فرعية أخرى من أهمها نهر السوباط , نهر الرهد , نهر الدندر , نهر القاش , نهر طوكر , نهر ستيت , نهر دابوس , نهر عطبرة , نهر ديديسيا وكذلك الكثير من الأمطار والأودية والخيران الموسمية مثل وادى أزوم ومخزون ضخم من المياه الجوفية إضافة إلى ملايين الأفدنة من الأراضى الزراعية التى جعلت السودان يُوصف بأنه سلة غذاء العالَم وكذلك البترول وكل أنواع المعادن والتى تشمل اليورانيوم والذهب الذى يتم تصدير الأطنان منه سنوياً وكذلك كمية كبيرة من الثروة الحيوانية والسمكية وموانئ على خطوط ملاحة دولية فى البحر الأحمر , كما يتمتع السودان بالكادر البشرى الذى نال الإشادة والتفوق فى العديد من الدول والمحافل خارج السودان و داخل السودان 
  إن شباب السودان من حقهم أن يفتخروا بأنهم الثوّار الذين حققوا واحدة من أعظم الثورات فى العالِم والتى إلتزمت بالخط السِلمى والنهج الحضارى دون تخريب أوعُنف يُذكر مقارنة بالملايين الذين شاركوا فى الثورة مما أكسبهم إحترام وتقدير القوات المُسلّحة وقوات الدعم السريع  التى إنحازت لهم وقامت بحماية المعتصمين منهم , حيث بادولوا المجلس العسكرى الإنتقالى ذات الشعور وكذلك بعض الدول الخليجية مثل الإمارات والسعودية , حيث سارعتا إلى مباركة التغيير الذى عم السودان وأعلنتا من الرياض وأبوظبى إنحيازهما إلى إرادة الشعب السودانى والإلتزام بالمساهمة فى إحتياجاته بما يصل إلى 3 مليار دولار وكذلك بعض الزوار الذين وفدوا إلى السودان لمشاهدة إكتمال ذلك التغييرعلى أرض الواقع , وأيضاً من أهم ما يشد الإنتباه ويلفت النظر هو إنه عادة عندما تندلع الثورات أو المظاهرات فى أى دولة فإن الكثير من الدول تطلب من رعاياها المغادرة أو أخذ الحيطة والحذر ولكن ما حدث فى الخرطوم هو أن الكثير من السفارات والبعثات الدبلوماسية لم تفعل ذلك بل أن الكثير منها بعثت بأطقمها إلى ساحة الإعتصمام وقد تجولوا فى وسط المعتصمين والبعض منهم شاركوا الثوّار إفطار رمضان دون أى خوف على سلامتهم ومن ضمنهم طاقم سفارة الولايات المتحدة الأمريكية الذين ذادوا على ذلك بأن قاموا بزيارة بعض الجَرحى فى المستشفيات والإطمئنان عليهم وكان ذلك هو الدليل على أن الشباب فى السودان ليسوا دُعاة عنف أو إرهاب أو كراهية للاخرين وإنهم قد حققوا غايتهم فى تغييرالنظام السابق وصار من حقهم أن ينعموا بدولة القانون عَبْرالثورة الأعظم والأكثر سِلمية فى العالَم بشهادة المجتمع الدولى  وأن الولايات المتحدة الأمريكية تظل دائماً مع مطالب الشعوب التى يتجلَى الكثير منها فى بديهيات الحياة التى يتمثل بعضها فى الحرية والسلام والعدالة