الجمعة، 7 يوليو 2017

إعْتِدَالْ



                                                                     إعْتِدَالْ                   

 إكتشاف وتطوير العلوم والنظريات العِلمية وتطبيقاتها دائماً ما يكون من إناس يعيدون التفكيروالتدقيق حتى فى البديهيات التى تمر على معظم الناس يومياً ودون الإنتباه لها , وهم غالباً مايكونون أوفياء بما فيه الكفاية لنظرياتهم وينذروا أنفسهم لإثبات ذلك من أجل تقدُم وتنمية مجتمعاتهم المعاصرة والأجيال التى تليها , فمثالاً على ذلك نجد أن العالم الإنجليزى إسحاق نيوتن جون والذى كان جالساً يوماً ما تحت شجرة تفاح فسقطت تفاحة على الأرض بجواره فلم يبادر إلى أكلها وإنما بدأ بالتفكير فى لماذا سقطت تلك التفاحة إلى الأرض ولم تصعد إلى الأعلى ؟ وكان ذلك مدخلاً لإكتشاف نظرية الجاذبية الأرضية والعلاقة الخطيّة بين وزن وكتلة الجسم وتسارع الثقالة , ويوجد خط يطوق الأرض بالقرب من خط الإستواء يسميه العلماء خط اللاإنحراف وهو الخط الذى تتساوى فيه قوة الجذب الأرضية للقطب الشمالى مع قوة الجذب الأرضية للقطب الجنوبى وفى جميع النقاط على إمتداد ذلك الخط تكون الإبرة أفقية دون الميل إلى أي من القطبين , وفى القرن 17 أحدث العالم الألمانى يوهانس كبلر ثورة فى علوم الرياضيات والفيزياء والفلك عندما وضع قوانين حركة الكواكب والأجرام ودعمها بالحجج الدينية إيماناً منه بأن الله يسّير الكون وفقاً لخطة وليس عشوائياً , وذلك العِلم الجديد تمت تسميته " الفيزياء السماوية " ولكبلر الكثير من القوانين التى أثبتها بالبراهين والأدلة , مثل لماذا يظهر كوكب المريخ إلى الوراء عبر الليل ولايمكن حساب حركته الإرتدادية حيث إنه يسافر فى محيط الدوائر والذى يطلق عليه الحذف وأن القمر هو المؤثر على حركة المد والجزر فى حركة البحار على الأرض , وكان يوهانس كبلر أول من قام بتحديد محركات الإنكسار فى العين مما مهّد لصناعة النظارات الطبية للتعامل مع معالجات  قُرب وبُعد النظر وشرح كيفية عمل التلسكوب وفهم خصائص التصغير والتكبير للصور , أما العالم محمد بن موسى الخوارزمى فهو أول من إكتشف شكلاً للأرقام تحمل نفس عدد الزوايا التي تدل عليه وتستعمل فى اللغة الإنجليزية اليوم وتعتبر هى أرقام الترقيم العربية وكما إنه قام بتطوير عِلم الفلك الرياضي ووضع الجدول الفلكى وأسهم فى إنفصال الجبر عن الحساب وأسس النظريات الجبرية الحديثة ووضع قوانين المعادلات متعددة الحدود حتى  الدرجة الثانية كما أوضح العديد من الطرق للحد والتوازن لنقل المصطلحات المطروحة للطرف الاخر من المعادلة وإلغاء المصطلحات المتماثلة على طرفى المعادلة وكذلك أصدر كتاب " صورة الأرض " الذى يحدد فيه إحداثيات الأماكن التى بُنيت على جغرافية بطليموس                                    
أما فى مجال العلوم الإنسانية وتحديداً فى الوطن العربى وفى السنوات الحديثة نسبياً فإن الشاعرة الدكتورة الكويتية \ سعاد الصباح تكاد تكون ظاهرة فى ساحة بنات جنسها فى تلك السنوات فى مجال الأدب والشعر والكتابة والسبب هو إنها كسرت تقاليد المجتمع المقيد لصوت المراءة فى الجزيرة العربية فى ذلك الوقت خاصة وإنها تنحدر من الأسرة الحاكمة , فكان أن أثْرت الساحة الأدبية والثقافية بالكثير من القصائد الرائعة والكتابات ولولا جراءة سعاد الصباح فى أن تكون هى سعاد الصباح  لحُرم الأدب العربى كثيراً من مثل هؤلاء المبدعات , حيث واجهت أهولاً من الإنتقادات من مجتمع لم يفهم انذاك إستحالة التكيف مع حالة الجمود والخوف من التغيير فى عالم متسارع الإيقاع , وقد تناولتها صحيفة الرياض السعودية فى عددها رقم 17169 بتاريخ 10 رمضان 1436 هجرية جزء من سيرتها بما تستحقه من إنصاف وتقديرعلى ذلك الفتح المظفر ومن أهم روائع إصداراتها " خذنى إلى حدود الشمس "   و " إمراءة بلاسواحل " و" الورود تعرف الغضب " والقصيدة الجميلة فى فتافيت إمراءة "كُن صديقى" والتى إختتمتها   بأبيات معبرة عن مشاعر تمثل الكثير من رصيفاتها ولم تَخَف من البوح بها :-                                                       

كُن صديقى
فأنا محتاجة جداً لميناء سلام
وأنا متعبة من قصص العشق وأخبار الغرام
وأنا متعبة من ذلك العصر الذى يعتبر المراءة تمثال رخام
فتكلم حين تلقانى
لماذا الرجل الشرقى ينسي
حين يلقى المراءة نصف الكلام
ولماذا لايرى فيهاسوى قطعة حلوى
وزغاليل حمام
ولماذا يقطف التفاحة من أشجارها ؟
ثم ينام
 ومن أجمل ماكتبت سعاد الصباح فى ذلك الزمان المبكر : -
يقولون ..
 أن الكتابة إثم عظيم فلاتكتبى
وأن الصلاة أمام الحروف حرام فلاتقربى
وأن مداد القصائد سم
فإياك أن تشربى
وهاأنذا قد شربت كثيراً
فلم أتسمم بحبرالدواة على مكتبى
وهاأنذا قد كتبت كثيراً
وأضرمت فى كل نجم حريقاً كبيراً
فما غضب الله يوماً علىّ
ولاإستاء منى النبى
يقولون ..
أن الكلام إمتياز الرجال
فلاتنطقى !!
وأن التغزّل فن الرجال
فلاتعشقى !!
وأن الكتابة بحر عميق المياه
فلاتغرقي !!
وها أنذا قد عشقت كثيراً
وها أنذا قد سبحتُ كثيراً
وقاومت كلّ البحار ولم أغرق
يقولون..
أنّي كسرتُ بشعري جدار الفضيله
وأنّ الرجال هم الشعراء
فكيفَ ستولد شاعرةٌ في القبيله
وأضحك من كل هذا الهراء
وأسخر ممن يريدونَ في عصر حرب الكواكب
وأد النساء
وأسأل نفسي,
لماذا يكون غناء الرجال حلالاً
ويصبح صوت النساء رذيلة ؟
لماذا؟
يُقيمون هذا الجدار الخرافي
بينَ الحقول وبين الشجر
وبين الغيوم وبين المطر
وما بين أنثى الغزال, وبين الذكر ؟
ومن قال للشعر جنسٌ ؟
وللنثر جنسٌ ؟
وللفكر جنسٌ ؟
ومن قال أن الطبيعةَ
ترفضُ صوت الطيور الجميلة ؟
يقولون..
أنّي كسرتُ رخامةَ قبري
وهذا صحيح
أنّي ذبحتُ خفافيشَ عصري
وهذا صحيح
وأنّي اقتلعتُ جذور النفاق بشعري
وحطّمتُ عصرَ الصفيح
فإن جرحوني
فأجملُ ما في الوجود
غزالٌ جريح
وإن صلبوني, فشُكراً لهم
لقد جعلوني بصف المسيح
يقولون أنّ الأنوثة ضعفٌ
وخيرُ النساء هيَ المرأة الجاريه
يقولون..
أنّ الأديبات نوعٌ غريب
من العشب.. ترفضهُ الباديه
وأنّ التي تكتبُ الشعر..
ليست سوى غانيه !!
وأضحكُ عن كُلّ ما قيلَ عنّي
وأرفضُ أفكارَ عصر التنك
وأبقى أُغنّي على قِمّتي العاليه
وأعرِفُ أنّ الرعود ستمضي
وأنّ الزوابع تمضي
وأنّ الخفافيشَ تمضي
وأعرِفُ أنّهم زائلون
وأنّي أنا الباقيه

وهكذا وبالرغم من أن الكثير من المتشددين والذين مارسوا إرهاب النساء ردحاً من الزمن و لم يتقبلوا ذلك الخروج على المألوف إلا أنهم لم يستطيعوا إلا أن يعجبوا بتفرّد الشاعرة سعاد الصباح و القبول بحتمية تطور مسيرة الإبداع                                  


                                      
                                              جَمال حسن أحمد حامد
                                              دولة الإمارات العربية المتحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق