السبت، 23 نوفمبر 2013

المكاييل الــ"سبعة" بميزان العدل والمساواة



المكاييل الــ"سبعة" بميزان العدل والمساواة

عندما نادينا بضرورة تحريك المرحلة الراهنة من عُمر حركة العدل والمساواة ، وبخط فكرى وتصحيحي مكملاً لذلك الخط العسكري الميداني ، عندها كن نؤمن بأن ذلك الخط قد وصل نهايته وبأنه أرسل رسالة واضحة بأن الخاسر هو إنسان دارفور ، وأن الخسائر أضخم بكثير من حجم الانجازات والغايات ، ما تم منها ومن ما هو مُنتظر.
        ومن إيماننا بأن على عاتق الحركة تقع "مسؤولية تصاعدية" تجاه قضايا دارفور ومهمشى السودان عموماً ، فإننا طالبنا بضرورة بث روح توحيدية ودماء جديدة في جسم الحركة ، "فكرياً" و"بشرياً" للخروج بأيدلوجية الحركة من "غشاوة" اللون الرمادى ، حيث أن جماهير الحركة تتطلع إلى فلسفة للحركة تنسجم مع ثـقافة العصر ، والتي تجنح إلى السلام والتعايش ووضوح المبدأ، ولم يكن المطلوب مجرد توضيح بأن للحركة أصلاً رؤية فكرية ، ومن ثم نفض الغبار عنها وإعادة طلائها، لأننا لم نسمع أبدًا بصوت هذا الفكر يعلو و "يستصحب" صوت البندقية من الميدان.
        فنحن لا نريد أن نكون إمتداداً وظلالاً لتيارت طائفية أو حزبية أو تنظيمية عفى عليها الزمان وما يزال "مُلاّكها" يقرفصون على صدور "حواريهم" و"أتباعهم" بسطوة مقام "الشيخ" و "سِيدى" و "مولانا" ، في حين إنها تمارس التهميش على أهل دارفور وبقية أهل الهامش حتى داخل أدنى حلقات التبعية ، وذلك لأنهم ليسوا طرفا في وصية توزيع ميراث "العرق القيادى".
إننا مازلنا نتحرق شوقـًا لأن نسمع هدير الموج الفكرى للحركة ، قادماً من العبق الدارفورى وخصوصيته، ولحن الحركة معزوفاً على إيقاع المهمشين وسودنته ونريد أن تكون لنا قياداتنا وأساتذتنا ومفكريننا وشيخونا وفقهاءنا أيضاً ، ونريد أن نكون سبّاقون في إرساء مفهوم السلام والتسامح وقبول الآخر.
إن المهاتما غاندى إستطاع أن يحرر شبه القارة الهندية من عجرفة الانجليز دون خسائر تُذكر مقارنة بعظمة الاستقلال، لأنه عرف كيف يؤجج الثورة السلمية ويفجّر طاقات المقاومة المدنية ، وعرف أيضا "من أين تؤكل الكتف". في أكثر بلاد العالم "تشبعًا" بالأعراق والأجناس والديانات المختلفة.  
وعندما قرر السيد/ محمد جناح الأنفصال عن الدولة الهندية وبناء الدولة الإسلامية الباكستانية ، فقد تم ذلك أيضاً وبفهم ناضج ودون خسائر تذكر.
وحتى عصابات المافيا تخلّت عن إدارة أعمالها بالقتل والترويع بعد أن كانت هذه فكرة مؤسسها "آل كابونى" ولجأت إلى "تمكين" و "مسمرة" أفرادها في أوساط المجتمعات والحكومات لخدمة "العائلة" ، وهي بمعنى "العصابة" ، وكان هناك تقديس لكيانها وفكرها فوق كيان "الأُسرة" وكانت هذه هي فلسفة وفِكر المافيا والتي أعطتها صيتاً وشهرة في الفترة الأخيرة، خاصة عندما لجأت إلى فن آخر لتحقيق غاياتها وهو فن "صناعة اللوبي" وهو الذي جعل المافيا التنظيم الأكثر دينماميكية ً في العالم. وقد يكون معظمنا شاهد فيلم "العراب" "God Father" الشهير لبطله "مارلون براندو" ثم "الباتشينو" وهو يكرّس ويعظّم هذا المنحى ،  بل أن جزيرتهم الصغيرة وهي جزيرة "صقلية" والتي نشأت فيها المافيا كمجموعات "عائلية" صغيرة تحارب الأستعمار الإيطالي ، أصبح لها أشهر تفريع في لعبة الشطرنج بأسمها وهو "الدفاع الصقلى" "Sicilian Defence" وذلك اقتداءً بخطط واستراتجيات "المافيا" بالتطور الدائم للحفاظ على الديمومة والبقاء وأصبح هذا التفريع مادة رسمية في بعض مدارس أوروبا الشرقية ، والشقيقة تونس هي أول دولة أفريقية إعتمدته كمادة دراسية في مدارسها بجوار الرياضيات والمنطق وباقي العلوم الذهنية.
ونحن عندما نقف بجانب مؤتمر عام لحركة العدل والمساواة تكون أولوياته لملمة أطراف الحركة المتنافرة والدخول بالحركة إلى دائرة السلام ، فإننا ندعو للصلاح والفلاح.
فباالإضافة إلى هذه المقدمة والتي ترى  الحركة فيها سياجاً تحيط به مستقبلها، فإن هناك أيضا "سبعة" مرتكزات أساسية تؤيد وتدعم قيام هذا المؤتمر، ومنها ما هو قائم ومنها ما تنوى الحركة القيام به ، وهذه الـ "سبعة" مرتكزاً الأساسية لتجديد الحركة لهيكلتها وأفكارها هي : -
"أولا" :-
حركة العدل والمساواة وبقية الحركات المسلحة، لم "ينتخبها" أحداً من أهل دارفور أصلاً أو "يفوّضها" لكي تقوم بتمثيله أو المطالبة بحقوقه، إنما نالت الاعتراف بوجودها من الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي من خلال إعطائها منابر تفاوضية في أبوجا بعد أن قامت بتقديم نفسها بنفسها ، وبالتالي فإذا إختارت مجموعة من الحركة وهي الأغلبية في "حركة العدل والمساواة" أن تعقد مؤتمرها العام والرجوع بمصير القضية إلى "جماهير الحركة" والتفاعل معها في إتخاذ القرارات، فإنها لا تحتاج إلى إذن أو موافقة من أحد، وإنما فقط "جماهير الحركة" والمجتمع الدولي والإتحاد الأفريقي ، بعد أن تكون قد إلتزمت بمعايير وشروط تمثيلها للحركة ، وللمجتمع الدولي سوابق في ذلك، فعندما إنشق جناح "مَنّي" في حركة التحرير عن رئيس الحركة "عبد الواحد" وأقام مؤتمره الشهير في حسكنيته، فقد إعترف به المجتمع الدولي ولم يطالبه أحد بإذن كتابى من "عبد الواحد" أو تم إتهامه بالخروج عن المؤسسية، لأن تلك المؤسسية هي التي قدمت لنفسها إطار الشرعية، ومع ذلك فإن الحركة تقوم الآن على بناء مؤسسية تنتصب على أرضية وإجماع القاعدة ، ولها الحق في إقامة مؤتمرها مثلما كان لجناح "مَنّى مِنّاوى" نفس الحق وتم الاعتراف به وأصبح "سابقة".
"ثانيا":-
لم تركن الحركة إلى مباركة المجتمع الدولي أو الإتحاد الأفريقي فقط بالموافقة على قيام مؤتمر عام وإعادة هيكلة الحركة ، إنما قامت بـ "إستطلاع للرأي" ومخاطبة كل جماهير الحركة في الداخل ، من ميادين عسكرية وطلاب وقطاع المرأة وأيضا المكاتب الخارجية وأخذت موافقتهم، بعد أن شرحت أهدافها وبينت إتجاهاتها، وهذا في ذاته يعتبر تفويضا من جماهير وقواعد الحركة وثقتهم ورغبتهم في جدوى التصحيح والتطوير.
ثالثا: -
        الحركة لم تقم ومن خلال دعوتها لإنعقاد مؤتمر عام باللجوء إلى المطالبة بإقصاء بقية أطراف الحركة ، إنما قامت بمخاطبة كل الجهات "ذات الصلة" و "ذات العلاقة" بأزمة دارفور ، الرسمية منها والشعبية ، وفاضلت بين ثـقل توجهها الفكري وثـقل الآخرين، وشرحت رغبتها في مشاركة الدكتور/ خليل ومؤيديه ، وإنها تحترم مكانته وتأثيره وكذلك مجموعة الداخل والتي أبدت حماسها وإستعدادها لذلك ، وهذا يدحض الأقوال والمفاهيم المنكفأة على أن هذه الحركة هي عبارة عن مجموعة تسعى للشقاق.
رابعا : -
قامت الحركة مراراً وتكراراً أيضا بمخاطبة دكتور / خليل وإفهامه لكل الأشكاليات التي تعترض مسيرة الحركة وضرورة التشاور والتفاكر والأنفتاح على الرأي الآخر، ولكن لم يكن هناك إهتمام أو إستجابة، وإذا كان هذا غير صحيح فإننا نقولها الآن ، ونقول بأننا مستعدون للذهاب إلى أي مدى والجلوس معاً ولو على فوهة بركان من أجل توحيد كيان الحركة وإعادة هيكلتها وفقا لشعارات " القومية " و "التعددية" ومستعدون أن نضحى من أجل ذلك بكل ما هو مُكتنز لدينا ومستعدون لسماع رأي ومقترحات الوسطاء والعقلاء، ومن ثم إتخاذ القرارات الصائبة، بناء على توجيهات جماهير الحركة وقواعدها ولما فيه مصلحة للحركة وللوطن.
خامسا: -
أوضحت الحركة أيضا ولأكثر من مرة بأن حوالي 200,000 قتيل ومليونى ونصف المليون لاجئـاً ونازحاً من أبناء دارفور يكفى، وهاهي جبهة الشرق قد نالت ما تريده من مشاركة في الثروة والسُلطة بدون هذا الطوفان من الدمار ، ولهذا يجب أن تبدأ معركة الفكر والمنطق والجدل ومقارعة الحُجة بالحجة، وأن لا نتجمد في حالة من السكون عند نقطة أن الرئيس السودانى / البشير قال بأنه "لايفاوض إلا من يحمل السلاح" ، فالرجل نفى أكثر من مرة هذا المعنى، وحتى إذا كان نفيه فيه تدليس ، فيجب محاولة الحوار مرة أخرى، فقد قال سبحانه وتعالى لموسى وأخيه صلى الله عليهما " أذهبا إلى فرعون إنه طغى* فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى" ونحن لا نصدّق بأن الرئيس / البشير وهؤلاء "الهامانيون" من حوله أكثر طغيانـاً من فرعون، ولهذه الدولة أيضا مؤسساتها ، من مجلس وزراء ومجالس تشريعية وبرلمانات ومستشارون وأحزاب وشخصيات نافذة و "المُتحجج" هو من لا يميّز "الباب الموارب"
"سادسا" :-
قررت الحركة أن تتفهم وتعالج موقف أهل دارفور والذين لم يكونوا طرفـاً في الحركات المسلحة بدعوى أن "أحدًا لم يدعوهم أو يستشيرهم" وبفهم علاجى واعى جداً للصراع "الدارفورى – الدارفورى" ، وذلك حلا ً لبوادر الحرب التي تلوح في الأفق بين أهل دارفور ، بعد أن دأب بعض قادة الحركات المسلحة بالقول بأن هؤلاء لم يشاركوا في "الثورة" وبالتالي عليهم أن يأخذوا حقوقهم من المركز وليس من نصيب الحركات المسلحة في الإتفاقية ، رغم أن هذه "الغنائم" التي جاءت بها الإتفاقية كان إنتزاعها بمفهوم إجماع أهل دارفور على مطالب الحركات المسلحة وتزكيتهم لها لنيل ذلك ، وهذا "المسلك الترابطى" في منهج الحركة يقود إلى ترتيب البيت الداخلي على بساط من التراضي ومن ثم مخاطبة المركز بصوت واحد ومسموع، لأن أمور مثل "إقليم واحد" أو "ثلاث ولايات" أو "أكثر" لا تقررها الحركات المسلحة أو إتفاقيات "ثنائية" بينها وبين الحكومة، إنما يحسمها "غالبية أهل دارفور" بالتراضي والقناعة أو بالعودة إلى دائرة "الحرب التحررية" للإنعتاق من براثن المركز الجديد هذه المرة.
سابعا: -
قامت الحركة وإنطلاقا من المادة "11" من "المذكرة التصحيحية" والتي هي عماد النظام الأساسي المقترح للحركة ، قامت بإقتراح إنشاء "مفوضية لمراقبة التنوع" ويمكن أن تكون "مجلس" أو "مصلحة" أو غيرهما ، وذلك لمتابعة التنوع القبلى والجغرافي لتكوين الحركة ، وهذه تُعتبر تجربة مميزة لمحاسبة النفس ومراقبة الذات، تبرهن على صدق الحركة في استيعاب كل أعراق ومناخات الانسان السوداني.
كما نصت المذكرة أيضاً على أن إرتقاء العضو لسلم المناصب وتبوأه للمراكز القيادية في الحركة يكون على حسب "عطائه" و "جهده" و "كفاءته" ، وكل ذلك لمحاربة "الإنزواء الفكرى" وعدم الاستكانة لصلة القرابة من الرئيس أو الاتكاء على هيمنة القبيلة، ولا نعتقد بأن هنالك جسماً في العالم لا يستجيب لحقنه بمثل هذا "المصل".
في الختام نوجه التحية لإخواننا المقاتلين في "جبهة الخلاص" على سلوكهم الدارفورى الأصيل وبمعاملتهم الحضارية لأفراد القوات المسلحة السودانية والمأسورين لديهم في معارك " كارى بارى" الأخيرة، وإشادتهم بشجاعة وبسالة الجندي السوداني ، فنحن في الأول والأخير أبناء وطن واحد، ومهما إختلفنا وتقاتلنا فإن لوحدة الانتماء اجلالها، وبمناسبة أيام الأعياد هذه نتمنى لو أن اخواننا في "جبهة الخلاص" يعطوا الفرصة لهؤلاء المأسورين بالاتصال بأهلهم ومعايدتهم وطمأنتهم ، لنبرهن للآخرين عن المعدن النفيس لإنسان دارفور ، خاصة ً بعد أن علمنا بأن قبيلة "البطاحين" والتي ينتمى إليها قائد المجموعة هي أول قبيلة من خارج دارفور تبادر بالتوأمة مع قبيلة من داخل دارفور وهي قبيلة إخواننا "الفور" وعليه تم إطلاق إسم "البطاحين" على أحد الجبال في تلك الديار.


جمال حسن أحمد حامد  
الإمارات العربية المتحدة 
2007 

                       

                                                                           
                                                                                   

                                                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق